الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ملا حويش: تفسير سورة الانشراح:عدد 12 – 49.نزلت في مكة بعد الضحى، وقيل إنها نزلت متصلة بها. ولم يفرق بينها بالبسملة وليس بشيء.وهذا كالقول بأن سورة براءة نزلت متصلة بالأنفال وهو غير صحيح أيضا بل كل منها نزل على حدة.وقد ثبت بالتواتر أن سور القرآن 114 سورة، فإذا جعلنا هاتين السورتين متصلتين ينقص العدد، وهو غير جائز.وسنأتي على بيان هذا مفصلا في سورة قريش الآتية إذ قيل إنها نزلت متصلة بالفيل وفي سورة براءة.وهي ثماني آيات، ومثلها في العدد التكاثر والزلزلة والبينة والتين.وسبع وعشرون كلمة.ومائة وثلاثة أحرف.ويوجد في القرآن سورة أخرى مبدوءة بما بدئت به وهي الفيل الآتية، وسورة البينة بلم النافية دون همزة الاستفهام.وتسمى سورة الشرح وألم نشرح أيضا.لا ناسخ ولا منسوخ فيها.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.قال تعالى: {أَلَمْ} استفهام تقريري لا يجاب إلا ببلى {نَشْرَحْ} نفسح ونشق {لَكَ} يا سيد الرسل {صدرك 1} كي يحوي عالم الغيب والشهادة نوعهما فيهما، ولذلك صار لم يعقه التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق لما أودعنا فيه من العلوم والحكم حينما شقه أميننا جبريل فوسع هموم النبوة ودعوة الثقلين، وأزلنا عنك الضيق والخرج لتكون لين الجانب لا يستفزّك الغضب، وقد وقع له صلى الله عليه وسلم الشرح فعلا ثلاث مرات..مطلب شرح صدره الشريف: المسألة الأولى عند ما كان عند ظئره حليمة، فقد روى مسلم عن أنس رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرجه واستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه ممتقع اللون وسألوه فقص عليهم ما ذكر أنس، وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره.والأخريان سنأتي على ذكرهما أول الإسراء الآتية خشية التكرار فراجعهما {وَوَضَعْنا عَنْكَ وزرك 2}الذي سلف منك خطأ أو نسيانا أو سهوا، أو ما تظنه مستوجب السؤال عندنا نظرا لعلو مقامك ورفعة شأنك وخفّفنا أعباء النبوة عليك لتقوم بها دون تكلف فرفعنا عنك ذلك التكليف {الَّذِي أنقض ظهرك 3} حمله وأوهى قولك رزؤه وحططنا عنك كل ما تراه ثقيلا مما شرعناه على من قبلك.واعلم أنه إذا حمل هذا الوزر على حالته قبل النبوة فيكون المراد اهتمامه بأمور كان يفعلها قبل النبوة، إذ لم يرد عليه شرح بتحريمها فلما حرمت عليه بنزول الوحي عدّها أوزارا أثقلت عليه وأشفق منها، فوضعها اللّه عنه وغفرها له، وإذا حمل ذلك على حالته بعد النبوة، فيكون عبارة عن ترك الأفضل وما هو خلاف الأولى وما تركه أحسن من فعله على حد حسنات الأبرار سيئات المقربين.قال تعالى: {وَرَفَعْنا لَكَ ذكرك 4} على سائر الأنبياء والمرسلين قبلك، وقرناه بذكرنا.روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية قال: قال اللّه عز وجل إذا ذكرت ذكرت معي، قال ابن عباس يريد الأذان والإقامة والخطب على المنابر.فلو أن عبدا عبد اللّه وصدقه في كل شيء ولم يشهد أن محمدا رسول اللّه لم ينتفع بذلك بشيء، وكان كافرا، قال حسان رضي اللّه عنه:وقرن طاعته بطاعته فقال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} الآية 59 من النساء وكررها معنى ولفظا في الآية 17 من الأحزاب و14 من التوبة و31 و32 من آل عمران وكررها في الآية 80 من النساء وقرن خوفه بخوفه، ورضاه برضاه، ومحبته بمحبته، وغضبه بغضبه، وهكذا قد ذكره اللّه في كتب الأنبياء، ولا يخفى أن حضرة الرسول إبّان بعثته كان مقلا مخفا من الأموال والمواشي وكانت قريش تعيره بالفقر حتى أنهم صاروا يقولون له عند ما يدعوهم إلى اللّه: إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا، فاغتم لذلك وظن إنما كذبه قومه لفراغ ذات يده، وكان يحزن ويغتم لهذه الغاية لأنه منشرح الصدر بما هو فيه من فضل ربه ويراه غنيا إذ لا هم له في الدنيا ولا في أهلها إلا بغية إيمانهم قال ابن الفارض: فعدد اللّه عليه نعمه في هذه السورة تسلية لجنابه الشريف عما خامره من الغم ووعده الغنى فقال: {فَإِنَّ مَعَ العسر يسرا 5} أي لا يحزنك قولهم فإن مع الشدة فرجا وإن لك مما تقاسيه مخرجا، ثم كرر الوعد تأكيدا وتمكينا فقال: {إِنَّ مَعَ العسر} الذي أنت فيه {يسرا 6} قريبا بإظهاري إياك عليهم وإعلاء كلمتك وتقدير النصر لك حتى تغلبهم وتغنم ما عندهم، قال الحسن لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم: «أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين».وذلك لأنه جل ذكره كرر {العسر} بلفظ المعرفة، والمعرفة إذا كررت كانت غير الأولى، وكرر اليسر بلفظ النكرة والنكرة إذا كررت كانت غير الأولى، فصار يسران تجاه عسر واحد ولن يغلب الواحد الاثنين غالبا.وإنما قال: «أبشروا» إذ كان نزولها على أثر تعيير المشركين المسلمين بالفقر فلا شك أنه صلى الله عليه وسلم انشرح صدره بما رأى من عطف ربه عليه فأقبل على عبادته فقال له ربه {فَإِذا فرغت} من دعوة الخلق {فانصب 7} لعبادة ربك، وداوم عليها واجتهد فيها {وَإِلى رَبِّكَ} الذي أنعم عليك بما ذكر وما لم يذكر {فارغب 8} في إجابة دعائك ورفع مقامك عنده وإظهار كلمتك لديه ينصرك على أعدائك، واجعل رغبتك في اللّه وإلى اللّه ومن اللّه وتضرّع اليه رغبة في جنته ورضاه ورهبة من ناره وعقابه، ولا تخل وقتا من أوقاتك دون عمل يرضيه فكلما {فرغت} من عبادة أتعبت نفسك فيها فاتبعها بغيرها وابتهل اليه فهو لا يردك.قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته، السبهلل الذي لا شيء معه والعاطل الذي لا عمل له ومعناه الفارغ.ولا غرو أن يكون قعود الرجل من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه من أمور دنياه ودينه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة.أعاذنا اللّه من ذلك وحفظنا ووقانا، ومن الخمول حمانا، هذا ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به هذه السورة واللّه أعلم، وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين. اهـ. .فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة: .قال زكريا الأنصاري: سورة الانشراح:مكية.{لك ذكرك} تام وكذا {إن مع العسر يسرا} وآخر السورة. اهـ..قال أحمد عبد الكريم الأشموني: سورة الانشراح:مكية.ثمان آيات.ولا وقف من أولها إلى {ذكرك} فلا يوقف على {صدرك} لأنَّ ما بعده معطوف على ما قبله وداخل معه في اتساق الكلام الواقع عليه الاستفهام ومن وقف على {صدرك} لم يعرف إن لم يجعل المستقبل ماضياً.وهل يوقف على {يسرا} الأول أو الثاني؟فمن قال على الأول قال لا يوقف على شيء من أول السورة إلى {يسرا} الأول لوجود الفاء يعني في الدنيا ثم قال: {إن مع العسر يسرا} يعني في الآخرة لقوله في الحديث «لن يغلب عسر يسرين» والمراد باليسرين الفتوحات التي حصلت في حياته صلى الله عليه وسلم والثاني ما تيسر بعده زمن الخلفاء ويؤيده ما في مصحف ابن مسعود من عدم التكرار والثاني مستأنف وعليه فهما يسران و{العسر} منكر فالثاني هو الأول واليسر الثاني غير الأول.ومن قال الوقف على {يسرا} الثاني قال لأنَّ إذا في جوابها الفاء فتضمنت معنى الشرط.ومن قال الوقف على {ذكرك} ثم آخر السورة فمعناه التقديم والتأخير كأنَّه قال فإذا فرغت فانصب فإنَّ مع العسر يسرا انظر أبا العلاء الهمداني. اهـ..فصل في ذكر قراءات السورة كاملة: .قال ابن جني: سورة ألم نشرح:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِالخليل بن أسد النوشحاني قال حدثنا أبو العباس العروضي قال: سمعت أبا جعفر المنصور يقرأ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك}.قال ابن مجاهد: وهذا غير جائز أصلا، وإنما ذكرته لتعرفه.قال أبو الفتح ظاهر الأمر ومألوف الاستعمال ما ذكره ابن مجاهد، غير أنه قد جاء مثل هذا سواء في الشعر. قرأت على أبي على في نوادر أبي زيد:قيل: أراد: لم يقدر، بالنون الخفيفة، وحذفها. وهذا عندنا غير جائز، وذلك أن هذه النون للتوكيد، والتوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب، لا الإيجاز والاختصار. لكن فيه قول ذو صنعة، وقد ذكرته في كتابي الموسوم بسر الصناعة. .قال الدمياطي: سورة الانشراح:مكية.وآيها ثمان.وقرأ الأزرق {وزرك} و{ذكرك} الآية (2- 4) بترقيق الراء فيهما بخلف عنه والوجهان صحيحان عنه في جامع البيان وغيره.وقرأ {العسر} و{يسرا} الآية 5- 6 بضم السين في الأربعة أبو جعفر. اهـ..قال عبد الفتاح القاضي: سورة ألم نشرح:{وزرك}، {ذكرك}، رقق الراء فيهما ورش.{فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} ضم السين في الكلمات الأربع أبو جعفر وأسكنها غيره. اهـ..فصل في فوائد لغوية وإعرابية وبلاغية في جميع آيات السورة: .قال في الجدول في إعراب القرآن الكريم: سورة الانشراح:بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.[سورة الشرح: الآيات 1- 4] {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وزرك (2) الَّذِي أنقض ظهرك (3) وَرَفَعْنا لَكَ ذكرك (4)}.الإعراب: (الهمزة) للاستفهام التقريريّ {لك} متعلّق بـ: {نشرح}، {عنك} متعلّق بـ: {وضعنا}، {الذي} موصول في محلّ نصب نعت لوزرك {لك} متعلّق بـ: {رفعنا}.جملة: {ألم نشرح...} لا محلّ لها ابتدائيّة.وجملة: {وضعنا...} لا محلّ لها معطوفة على الابتدائيّة.وجملة: {أنقض...} لا محلّ لها صلة الموصول {الذي} وجملة: {رفعنا...} لا محلّ لها معطوفة على الابتدائيّة..البلاغة: الاستعارة التمثيلية: في قوله تعالى: {وَوَضَعْنا عَنْكَ وزرك الَّذِي أنقض ظهرك}.حيث شبه حاله صلى الله عليه وسلم وهو ينوء تحت ما يتخيله وزرا- وليس بوزر- بحال من أتعبه الحمل الثقيل، وبرح به الجهد والحر اللافح، فهو يمشي مجهودا مكدورا، يكاد يسقط من ثقل ما ينوء بحمله. ووضع الوزر كناية عن عصمته صلى الله عليه وسلم عن الذنوب وتطهيره من الأدناس. عبّر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك، كما يقول القائل: رفعت عنك مشقة الزيارة، لمن لم يصدر منه زيارة، على طريق المبالغة في انتفاء الزيارة منه.
|